وتعد الرواية العربية الحديثة " سبعينية " ، أي أن موضوعها مرتبط بما جرى في فترة السبعينيات ، ووقتها كان الشعور العربي القومي طاغيا ، ولكن بنهاية السبعينيات بدا التوجه للسلام مع اسرائيل ، وتحولت القيم الجماعية لقيم فردية نتيجة تغير المجتمع ، وعالجت الروايات فكرة بيع المكان أو التخلي عنه .
بعدها بدأت موجة كسر " التابوهات " أو محاذير الكتابة الشهيرة ، وظهر المهمشون على السطح ، كما بدأت الرواية تظهر في أمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية ، واتجهت الرواية الجديدة لإضفاء القيمة على الأشياء وليس الإنسان ، كما ظهرت في أمريكا اللاتينية الرواية الغرائبية وهي أساسا مستمدة من الشرق ، واستطاعت إحداث حالة كبيرة من المقروئية وتراجعت مبيعات الشعر والقصة ، وقد ساعد على تراجع الشعر إغراقه في هذه الفترة في التأمل ، وذلك رغم تقدمه من الناحية الفنية .
وقال عبدالمجيد أنه في هذه الفترة لم يكن الأدب العربي مقروئا بشكل كبير عالميا ، وبعد أن حاز نجيب محفوظ على جائزة نوبل في الأدب بدأت حركة الترجمة الكبيرة للأدب العربي للغات العالم.
وبمضي الوقت أصبحت الرواية من أكثر الفنون التي تستميل الكتاب العرب ، وهي عموما فن يحتاج القاريء إليه في مصر لأنه يرى فيه آلامه ومشاكله وهواجسه ويعبر عن حالة مزاجية كونية ولذا فسوف يستمر طويلا في مصر ، وحتى الكتاب الشباب أثبتوا قدراتهم الكبيرة حاليا في مجال الكتابة الروائية ، ويتلقي الأديب ابراهيم عبدالمجيد الكثير من الأعمال التي تؤكد موهبة أصحابها وقدرتهم على كسر التابوهات .
من جانبه توقف الروائي الكبير فؤاد قنديل عند بعض المحطات القديمة للرواية التي بدأت في منتصف القرن التاسع عشر وتتابع ظهورها ولكن على استحياء كل عدة سنوات، وكان هذا الإقلاع البطيء مرتبطا بالتعليم حيث كان 99% من الشعب المصري يعاني الأمية ، فحتى وإن كتبت أعمال كانت تظل مجرد خواطر حبيسة الأدراج.
وأضاف أنه بعد دور على مبارك في نشر التعليم وظهور الصحافة، ساعد هذا في انتشار الأدب، وبدأ الالتفاف حول الرواية، ثم توالى الاهتمام في ظل الصحافة وظهور النقد، وكذلك الترجمة التي هي صاحبة الدعم الأساسي في أن يقلد العرب ما ينتجه الغرب وروسيا وخاصة بالأدب .
وأوضح قنديل أن الرواية ترسخت وظهر الجيل الثانى من المبدعين المصريين ومنهم إحسان عبد القدوس ومحمد عبد الحليم عبد الله ويوسف السباعى، معتبرا أنهم ساعدوا فى التأسيس لفن الرواية أكثر من نجيب محفوظ الذي كانت كتاباته فلسفية بعيدة عن ذائقة الجمهور في هذا الوقت، بينما كان الكتاب الرومانسيون أقرب إلى الجمهور، مشيرا إلى إحسان عبد القدوس الذي تحدث عن المرأة والطبقة الأرستقراطية.
بعد الثورة حدث اهتمام كبير بالتعليم وظهرت قاعدة قرائية ضخمة، وتم إنشاء دور نشر ومؤسسات رسمية ترعى الثقافة، مضيفا : "صحيح كان هناك حريات كبيرة قبل الثورة لم نحصل عليها بعدها، لكن الثقافة كانت ممثلة بشكل ضيق".
وقال: إذا كان هناك خلل بعد الثورة فالسبب هم المثقفون لأنهم هم من تولوا هذه المؤسسات، مضيفا أن الثقافة لا يضرها مسألة الحريات لأن المثقف الحقيقي لا يكبحه القمع ؛ فهو يحطم كل الأسوار ويقدم رؤيته بأكثر من طريقة، مشيرا إلى أمل دنقل الذي لم تمنعه أي قيود من أن يقل كلمته بكل قوة .
وتحدث قنديل عن ثمان نقاط خاصة بحاضر الرواية، فالإبداع جيد لولا أن هناك بعض التعجل من بعض الشباب، والمطلوب قليل من الاهتمام باللغة مع التأني المطلوب لنضج العمل الروائي، مؤكدا أن حركة النشر جيدة لدرجة تحولها لأزمة ، مضيفا : " كنا نكافح لنوسع دور النشر، أما اليوم فدور النشر تنشر كميات هائلة من الكتب بعضها ما كان يجب أن ينشر " .
وأوضح قنديل أن الرواية تعاني من سوء التوزيع ، مؤكدا أن المصريين يقرأون ولكن إذا توفر لهم الكتاب بسعر يناسب ظروفهم الاقتصادية، مطالبا بوضع آلية حتى يصل الكتاب إلى القرى والنجوع، ورأى أن هيئة قصور الثقافة لا تقوم بدورها على الإطلاق ، وإصداراتها تحفظ على أرفف مكتباتها لسنوات طويلة أحيانا .
وتساءل قنديل أين دور النقد الذي يفرز الجيد من الغث، مشيرا إلى دور الإعلام أيضا الذي يساوي صفرا مع الإبداع الأدبي بكل تجلياته، وخاصة التلفزيون والراديو .. يوجد إبداع ولكن بلا إضاءة أو تعريف أو إشارة.
التعليم مشكلتنا الأساسية وهو حائط الصد الذي نصطدم به، كما يرى قنديل، مؤكدا أن المدارس تنفر الطلاب من اللغة حيث يقدمون للطلاب الشعر الجاهلي في المرحلة الإعدادي فينفر منها الطلاب ويكرهون الشعر، حتى المدرس جاهل لا يستطيع أن يشرح جماليات الفن، مضيفا : " الطلاب الآن يتخرجون جهلة يعرفون فقط كيف يحملون مطاوي ".
واختتم قنديل حديثه بالإشارة إلى الترجمة، قائلا أن الأدب العربي لو تمت ترجمته بشكل جيد ومضطرد سنصل إلى مكانة مثل أمريكا اللاتينية على الخريطة العالمية أو على الأقل كتاب أفريقيا ومعظمهم مترجمون إلى لغات العالم.