لم يفلح نقادنا المعاصرون حتى الآن في إيجاد منهج نقدي عربي للأدب يصلح تطبيقه على إبداعنا الأدبي المعاصر، ولم تزل كتاباتنا النقدية تعيش عالة على نظريات نقدية غربية، ربما يكون انتهى زمانها في بلدانها. وكلما ظهرت صيحة نقدية جديدة في الغرب سارع مترجمونا ونقادنا إلى تطبيقها على الأدب العربي، حتى ولو بلي عنق النص. والصورة بالنسبة لأدب الأطفال ـ وهو مجري متدفق من نهر الأدب العربي الأعظم ـ أكثر إعتاما وضبابية، لأنه لا يوجد أصلا نقد يواكب هذا السيل من الإبداع للطفل، سواء نقد عربي أو غربي، ولا توجد متابعة لما ينشر للطفل من قصة وشعر ورواية ومسرحية سواء ورقيا أو رقميا، وبالكاد بدأ المشهد الأدبي العربي المعاصر يعترف بوجود أدب أطفال يؤدي دورا مهما في حياتهم، وبدأ بعض كتاب أدب الأطفال يلقون التقدير المناسب لجهودهم وإبداعاتهم.
وكان لا بد ـ بعد أن كثر كم الإبداع الموجه للطفل العربي ـ من وقفة نتساءل فيها عن منهج نقدي لأدب الأطفال.
واجتمع ـ في مكتبة مبارك العامة بالجيزة ـ مؤخرا عدد من كتاب أدب الطفل والمهتمين بهذا الشأن الأدبي في مائدة مستديرة أعدتها الكاتبة هالة شريف (مدير المكتبة)، وأشرف عليها الشاعر أحمد سويلم.
وطرح سويلم أسئلة عدة في بداية اللقاء حول منهج نقدي لأدب الأطفال، وحول لقاء هؤلاء الكتاب والمهتمين في هذه الآونة، وقال إن الإجابة عن سؤال المنهج النقدي لأدب الأطفال تصور واقع الكتابة للأطفال اليوم بعد أن تسلل إليها الكثيرون.
وفي الوقت نفسه تساءل عن المقصود بالمنهج النقدي، وهل هو يتعلق بالتدوين أم بالمعايير النقدية والأكاديمية؟ وهل يتحمل هذا المنهج المدارس الحديثة في النقد، ولو فرضنا جدلا وجود منهج نقدي فمن يتبني هذا المنهج ويدعو إليه، النقاد أم الكتاب أم المكتبيون أم الناشرون، أم هؤلاء جميعا؟
وتساءل سويلم: هل هناك أزمة في المصطلح النقدي في مجال أدب الأطفال أم هو من البساطة بحيث لا يثير تلك الأزمة؟ وهل تختلف معايير النقد باختلاف الجنس الأدبي (شعر، قصة، رواية، مسرحية، فنون أخرى مصاحبة)؟ وكيف نحقق بهذا المنهج (إن وجد) إطارا عاما لا نغفل فيه الطفل؟ وهل يقتصر هذا المنهج على الوسيلة التقليدية، وهي الكتاب، وماذا عن الوسائل الأخرى غير الكتاب؟
وغير ذلك من أسئلة أثارها الطموح والرغبة في إيجاد منهج نقدي عربي لأدب الأطفال.
الدكتور محمد فتحي عبدالهادي تحدث عن ورشة عمل أقيمت في مكتبة الروضة حول أدب الأطفال، وخلصت إلى أنه لا توجد مساحة كافية في المجلات المتخصصة لعروض كتب الأطفال، ولا توجد أي وسيلة واضحة مستمرة يمكن للباحث أن يعرض فيها لكتب الأطفال.
وعرض لتجربة عن تقييم كتب الأطفال من خلال ما تقوم به إدارة المكتبات المدرسية بوزارة التربية والتعليم، التي تطرح قائمة كتب ممثلة للمكتبات المدرسية بمراحلها المختلفة يختارها خبراء متخصصون وتشتمل على (تقرير فحص كتاب الطفل) وتنشر آراء الفاحصين في كتاب يصدر سنويا، غير أن القائمة تشتمل على بيانات ببليوجرافية فقط عن الكتاب، ولا توجد أية إشارة لمستوى الكتاب نفسه.
ومن هنا بادر مركز توثيق بحوث أدب الأطفال فأصدر ببليوجرافيا معيارية لكتب الأطفال في مصر بالعربية والإنجليزية تمثل المواد الموجهة للأطفال.
وأشار د. عبدالهادي إلى أن دار الكتب تصدر دليلا لإيداع كتب الأطفال يوضح أن مصر أصدرت أكثر من 1300 كتاب في عام 2004 والآن وصل العدد إلى أكثر من 2000 كتاب، وأوضح أن هذا الرقم يمثل حوالي 10% مما يصدر من كتب في مصر، ومجرد صدور هذا العمل بداية طيبة.
وتحدث د. محمود الضبع عن الإطار العام لنقد أدب الأطفال، وقال إنه لا يوجد ناقد متخصص لأدب الأطفال، ولا منهج نقدي متخصص في أدب الأطفال. وتساءل: هل نقد أدب الأطفال فيه فرض وصاية على الكتاب والمبدعين، وهل المناهج النقدية في تطوراتها صالحة للتطبيق على أدب الأطفال؟ وما العناصر التي تقبل أن ننقدها في أدب الأطفال؟ وأشار إلى أن الأطفال لديهم مهارات تفكير إبداعي أكثر من الكبار.
وأوضح الضبع أنه في حالة التفكير لوضع إطار نقدي لأدب الأطفال يجب مراعاة الأسس الفنية للنوع الأدبي عموما: شعر، قصة، رواية، مسرح، وعلاقة هذا الأدب بالمراحل العمرية المختلفة، وجماليات الأداء المتعلقة بأدب الأطفال.
وأشار إلى مرتكزات تبسيط أدب الأطفال، ودراسة التلقي لدى الأطفال وعلاقته بالوعي الجمالي.
الدكتور كمال الدين حسين ذكر أنه لا بد من تجاوز النظرة النقدية لأدب الأطفال، ودراسة استجابة الأطفال للأعمال الأدبية أو لبعض الأشكال الأدبية، وأوضح أن هناك حاجة لإشباع رغبة الأطفال الأدبية، وأن أدب الأطفال تتوافر فيه القصدية.
وعن الاستجابة عند الأطفال للأدب المكتوب لهم، أوضح أن هناك من يعد رسالة دكتوراه حول تلك الاستجابات: الاستجابة للمؤلف، الاستجابة للنص، استجابة القارئ، وتساءل: هل الاستجابة للرسم مع الكلمة تتكامل أم تتطابق أم تتناقض؟ وهل المحتوى يجيب عن تساؤلات الطفل، وهل العمل مرآة للقارئ، أي يجد القارئ نفسه في النص أو العمل؟
الدكتور إسماعيل عبدالفتاح عبدالكافي أوضح أن لكل فن أدبي معايير خاصة، وبالتالي أدب الأطفال جنس أدبي له محددات ومعايير، وذكر أن المعيار التربوي مهم جدا في أدب الأطفال، وتوقف عند المعيار الاجتماعي، وأشار إلى أن الكتاب يجب أن يرفع قدرة الطفل على التذوق، وأن ثقافة الطفل يجب أن تكون ثقافة جمالية.
وتساءل عن مدى وجود الخيال في أدب الأطفال، ولغة الكتابة للطفل (العربية المبسطة) هل هي مناسبة له، مشيرا إلى قدرة أدب الأطفال على تنمية جانب من جوانب الإبداع لدى الطفل، وأن الكتاب الجيد لا بد أن يشبع حاجة من حاجات الطفل الأساسية.
الكاتبة الصحفية سلوى العناني تحدثت عن دور الصحافة النقدي لأدب الأطفال من خلال تجربتها الشخصية، وأشارت إلى أن نقاد الصحافة أغلبهم من الهواة ثم يطورون أنفسهم بعد ذلك، وأن كِتاب الطفل لم ينل اهتماما من النقد الصحفي، والبعض ينظر إليه على أنه (لعب عيال).
وأوضحت العناني أن عرض كتب الأطفال في الصحافة ليس كافيا، وأنها بدأت تتجه إلى نقد هذه الكتب، فالكتب السيئة لا تعرضها ولا تتحدث عنها في بابها الصحفي بجريدة الأهرام.
وتساءلت: لماذا لم يهتم النقاد والكتاب المحترفون بنقد كتب الأطفال؟ مشيرة إلى أنه يجب إعداد قسم متخصص في الكليات لدراسة نقد أدب الطفل، ودراسة تاريخ أدب الطفل المحلي والعالمي.
الدكتورة سمية سعد الدين (جريدة الأخبار) تساءلت: من هو الطفل الحقيقي، وكيف يُكتب نص إبداعي بلغة عصرية للطفل؟ وأين تكمن المشكلة الإبداعية؟ وهل المشكلة الإبداعية هي نحو منهج نقدي لأدب الأطفال كما هو مطروح في عنوان ندوة اليوم؟
وقالت نحن نحتاج إلى الناقد المبدع، وأشارت إلى وجود صعوبة شديدة في نقد أدب الأطفال، وأوضحت أن نقد أدب الطفل أصعب من كتابة أو إبداع أدب الطفل نفسه.
وأضافت سعد الدين أنه يجب أن يتعامل الناقد مع روح النص المكتوب للطفل والتنقيب عن المبدعين الجدد ليتحقق التواصل بين الأجيال.
وتحدث الكاتب محمود قاسم عن أزمة المصطلح في أدب الأطفال، وأشار إلى أنه يجب البحث عن معاني المصطلحات في أدب الطفل، فكثيرا ما نخلط بين ثقافة الطفل وأدب الطفل.
ويختلف الكاتب يعقوب الشاروني مع كل ما قيل في تلك المائدة المستديرة حول إيجاد منهج نقدي لأدب الأطفال، فهناك حركة نقدية ومتابعة لما يكتبه الطفل ولكن لا ينشر عنه شيء، وهناك تجارب متعددة لمناقشة إنتاج أدب الأطفال، أنتجت وأثمرت.
وذكر الشاروني أنه يجب الاستماع جيدا لآراء الأطفال، موضحا أن الطفل ليس لديه صبر لقراءة مقدمة العمل الطويلة، وأنه يريد أن يدخل مباشرة في العمل، مشيرا إلى أثر السينما على الأطفال، فالطفل متأثر جدا بالأسلوب السينمائي، موضحا أن أسلوب "أليس في بلاد العجائب" لم يعد صالحااليوم، بعد أن تأثر الأطفال بالأسلوب السينمائي.
وشدد الشاروني على ألا يُختم العمل المكتوب للأطفال أقل من 14 سنة بخاتمة حزينة، وهذا هو الموجود في العالم اليوم. وأن كاتب الأطفال يجب أن يعيش تجارب الطفل نفسه، فيذهب إلى العشوائيات مثلا ويراها، أو يرى أطفال الشوارع، إذا أراد أن يكتب عنهم على سبيل المثال، ومن هنا تتكون خبرات الكاتب، مشيرا إلى أهمية أن (تعرف ما تكتب) وليس أن (تكتب عما تعرف).
وألمح كاتب الأطفال يعقوب الشاروني إلى موقف الأطفال من تصرفات الكبار الخاطئة، وهل يناقشها أدب الأطفال أو تكتب لهم في كتبهم. موضحا أهمية تفتيح أذهان الأطفال للمستقبل، مع ضرورة تجنب السخرية من العلم والعلماء.
الناشرة فدوى البستاني تحدثت عن تقييم العمل الأدبي للأطفال في دارها، وأوضحت أن العمل يجب أن يكون ملائما لخطة دار النشر وسياستها، وأنه يعرض على لجنة متخصصة في أدب الأطفال، وأن بداية العمل لا بد أن تكون مثيرة، وأن يساعد العمل على توسيع خيال الطفل وأن يكون قابلا للتصديق. وأن يكون الحوار حيويا وقابلا للتصديق أيضا، وأن المعلومات الواردة لا بد أن تكون صحيحة وحديثة، وألا يكون العمل تكرارا لما هو موجود. أما عن شخصيات العمل فهل هي مقنعة وواقعية وقابلة للتصديق وتتناسب مع البيئة التي تعيش فيها، وهو ما يسمى بالاتساق؟ أيضا لا بد من وجود إطار للعمل (المكان والزمان) وخاصة في القصة أو الحدوتة.
أما عن المضمون فترى البساتي أنه يجب أن تكون هناك عبرة يخرج بها القارئ الطفل دون وعظ وإرشاد، كما يجب أن تثير القصة تساؤلات ومشاعر الأطفال، ويجب مراعاة الشكل والإخراج الفني.
وفي النهاية تشير فدوى البستاني إلى أن الناشر بمثابة قائد الأوركسترا لكل المراحل السابقة، حتى يخرج الكتاب بشكل جذاب للقارئ.
ولفتت الكاتبة إريت فايز تادرس الانتباه إلى دقة اختيار الموضوع ومراجعة الترجمة (إذا كان الكتاب مترجما) وشددت على أهمية أن يكون الكتاب الموجه للطفل تربويا في الأساس، إذ لا بد من مراعاة القيم والسلوكيات ومراعاة الاختلافات الثقافية بين المجتمع الشرقي والمجتمع الغربي.
ماما لبني (نتيلة راشد) التي رأست تحرير مجلة "سمير" لسنوات طويلة، تحدثت عن تجربتها في المجلة، وشددت على الابتعاد عن النصيحة التي يضعها كتاب الأطفال في أعمالهم، وأشارت إلى القمة الرباعية في العمل: الزمان ـ المكان ـ الشخصيات ـ الأحداث، والقمة الثلاثية: البداية ـ العقدة ـ جملة النهاية.
وأوضحت أنه كانت هناك آلية للنشر في المجلة، ونقد لإبداعات الأطفال المنشورة في مجلات الأطفال التي تصدرها دار الهلال، فكانوا يجتمعون كل يوم جمعة، وكل صحفي يذكر رأيه بصراحة فيما نشر في مجلات الدار، ويناقشون الكتاب.
وأشارت ماما لبنى إلى أن أكبر رقم توزيع للمجلة بعد مصر، كان في السوادن ثم العراق، وأنه كان هناك أطفال مراسلون للمجلة. وألمحت إلى أن مجلات الأطفال تتعرض لانتقادات مستمرة من الأطفال والكبار أيضا وهذا يثري المجلة لا شك.
وتختم نتيلة راشد حديثها بأهمية التربية الوالدية، إلى جانب تربية الأطفال، ونوهت بكتاب "حكايات مصرية جدا".
الكاتبة لينا الكيلاني قالت إن نقد أدب الأطفال يجب أن يكون علما، ويجوز لمن له تجربة في كتابة أدب الأطفال أن يقوم بنقد هذا الأدب، مشيرة إلى أن مقاييس أدب الأطفال تختلف من عصر إلى عصر، ومن بيت إلى بيت، ومن مكان إلى مكان.
وختمت الكيلاني بأنه علينا أن نسأل: ماذا نريد من أدب الأطفال؟
وفي مشاركتي التي جاءت بعنوان "كيف نتابع ما ينشر للأطفال رقميا؟" أوضحت أن متابعة ما ينشر من إبداعات للأطفال على الشبكة العنكبوتية، والأقراص المدمجة، ليس أفضل حالا من متابعاتها نقديا في عالم النشر الورقي سواء في الصحف أو المجلات أو الكتب المطبوعة، على قلتها نسبيا، بل إن شكوى المتابعة النقدية المنهجية تأتي مضاعفة في العالم الرقمي عنها في العالم الورقي.
وقلتُ إنه لا بد من وجود وسيلة أو منهج ما يقف أمام منتجي ثقافة الأطفال الجديدة، حتى لا تتكرر الكوارث اللغوية والأدبية في ما يقدم للأطفال، ومن هذه الوسائل الملاحقة النقدية المستمرة لما ينشر أو يذاع لهم، فإذا وجد هؤلاء العابثون بثقافة الأطفال وأدبهم من يتصدى ـ علميا ـ لهم، ويلاحق منتجاتهم الغثة بمقالات نقدية تبين أوجه العيوب والقصور في إنتاجهم، فإنهم إما يتوقفون عن إنتاج هذا الغث، أو يلجأون إلى أهل الخبرة والاختصاص والمهارة والاحتراف.
واقترحتُ عقد لقاءات أو اجتماعات دورية ممنهجة بين كتاب الأطفال المتميزين والمبرمجين من ذوي الخبرة والمهارة لقراءة أفكار بعضهم البعض وتنفيذ الصالح منها إلكترونيا أو رقميا، من أجل إصدار مادة جديدة وجيدة لأطفالنا.
ويا حبذا لو كان كاتب الأطفال نفسه مبرمجا، يجيد التعامل مع عدة برامج مثل البوربوينت والفوتوشوب وبرامج الفلاش والتحريك وغيرها، لينتج بنفسه الأسطوانة المحركة للأطفال، ويبثها على أحد مواقع الإنترنت.
أحمد فضل شبلول ـ القاهرة