شربل داغر |
صدر مؤخرا عن دار النهضة العربية ديوان "ترانزيت" للشاعر والروائي اللبناني شربل داغر، وهو عبارة عن نص واحد يدور حول الواقعة التالية: إثر عطل مفاجئ في صالة "ترانزيت" في مطار، تنغلق المنافذ على عدد من المسافرين، فلا يقوون على الخروج، ولا على متابعة رحلاتهم، ينصرفون إلى تبادل الكلام والحركة، ومنهم ممثلون ومخرج يتمرنون ابتداء من "كتاب التاج" للجاحظ.
ووفقا لهيثم حسين بصحيفة "تشرين" السورية نجد ان الشاعر يعتمد الحوار في كثير من المقاطع التي تغدو مشاهد، وهذا مايقرب النص الشعري من النص المسرحي، لينتج بذلك مقاطع شعرية مسرحية، حيث الحوار الممسرح يكاد يوجد في كثير من الصفحات، ويكون ذلك مرفوقاً بعدد من التقنيات المستخدمة في الأعمال المسرحية، كرفع الستارة أو اسدالها، وكالانتقال بين الشخصيات والمتكلمين، وتحديد هوية أو طبيعة كل واحد.
كما نجد أنه يعتمد كثيراً على العناصر المستخدمة في النص الروائي، الزمان والمكان والشخصيات والقصص والحبكة- الحبكات، السرد الروائي، من خلال شرح ماينتاب هذه الشخصيات أو تلك في المقاطع الشعرية، ومايعتمل داخلها، وكذلك مايقرب نصه من الجانب السردي، القصصي أو الروائي، هو التشخيص، حيث نتعرف في كتابته على شخصيات عديدة تتعاطى الكلام وتتبادل الرأي والمشورة، وكل ذلك في الإطار الشعري الخارج عن القوالب والأطر الشعرية المتعارف عليها.
من قصيدته " الشارع " نقرأ :
هواء يَعبر
فلا يزور أحداً،
في ممر ضيق من نثر خطوات،
ومن حقائب مفتوحة على خوف:
ألهذا خرجوا إلى الشرفات،
أحصوا أحلامهم على أطراف أصابعهم،
وانتظروا وديعة مؤجلة من ليلة البارحة؟
القصيدة تتفقد مواضعها
وإن تعبثُ فيها،
تنزع رؤوساً من قبعاتها،
تستعطي ألفاظاً عند منعطف المفاجأة،
تموتُ مراراً،
تَعِدُ مراراً
برنين الاستعارة
وزهر الهواء.
أرسمُ فوق الصفحة سطراً
لمارة غافلين،
وأدعُ الحاسوب يتحرى
عن أصابعي فوق الحيطان
(...).
لكلٍّ أندلسه الضائع
يصرف أياماً بعملة بائرة،
ويغيب من دون مناديل.
عين تتأنى في مَشْيها فوق حبال من هموم،
وأخرى تُسقط ستائرها كي ترى:
أهي رزم الرحلة لم يبادر أحد إلى استلامها
أو تنكرَ لها قبل أن يراها؟
لا أكتب ما جرى،
بل عما جرى
عما يتساقط وأُداريه
خافتاً مثل بصيص ضوء؛
صياد كنوز، أَقلعُ صخوراً
من دون جدوى،
وأستريح لشاردةٍ فوق غيمة:
أيها اللفظ لا تقنعْ بما حصل،
ففيكَ ما يبني حياة معطلة،
أو خافيةً مستلقية،
وفيكَ ما يرمم خلوات خربة
استكانت لغبارها
في وحشتها!
تيسيرٌ فصيح لما لا يُروى.
ضفتان من غبار منير، لأحذية تخبط في غبشٍ
بتصميم القائد في خيمته،
لنظرات تتحفز في مشيها
في أروقة من دون مظلات،
من دون مقاعد تقي من مطر داهم،
من دون شرطة حدود
لعابرين، قاطنين، مقيمين على سفر،
رافعين أناشيدهم لأعلام ممزقة،
وبصورٍ مثل لقى
تتناقلها الأيدي
بأناة المنقب عن لفح غائر؛
خشبتان من دون كراس
لعروض من دون مخرجين،
لممثلين من دون مؤلفين،
لكوني أنصب شاشة
تتقافز فوقها صورُ غيري
ما أن أدير ظهري لها
(...).
سطرٌ له جانبان:
ما يقع في الباء،
ما يقع تحت النون،
وله قلمان،
من صبر وهواء؛
صبرٌ للذين وضعوا في براويز قصاصات جرائد بالفرنسية والإنكليزية ورفعوها على حيطان يشخصون إليها كلما شخصوا إلى السماء، من دون أن يُحسنوا قراءتها بالضرورة، فيطالعونها عن ظهر قلب،
براويز لحجج عقارية باتت جغرافية،
ول-"بدروس" بلحيته المنسقة المدهونة،