الروائي علاء الأسواني: دعوا الزهور تتفتح!
د. علاء الأسواني |
نعيش حالة أدبية مزدهرة هذه الأيام.. هناك حالة حراك ثقافي متوهجة نشعر بها جميعا.. لذلك فأنا أحس بالتفاؤل والطمأنينة.. هكذا أكد لنا الروائي علاء الأسواني في حواره معنا: يقول لنا:
اقرأ الآن كتاب( قصة الحضارة) للكاتب البريطاني ويل ديورنت, وهو يحكي قصة الحضارة الإنسانية, من بداياتها البعيدة إلي عصرنا الحديث.. كنت في الحقيقة قد قرأت الكتاب قبلا, لكنني الآن أعيد قراءته ثانية.. فهو بمثابة قطعة من الأدب الرفيع.. درس في طريقة الكتابة.. والمدهش أن الكاتب يملك لغة ساخرة يوظفها جيدا لمصلحة نصه لتوصيل معني يريد أن يقوله للقارئ.. كلما قرأت فقرات الكتاب تملكني الإعجاب.. إن ديورنت هنا يقدم رؤية عميقة للنفس الإنسانية, فضلا عن المعلومات والمعارف التي يعرضها عبر صفحاته, فمن أهداف الأدب زيادة المعرفة الإنسانية, القارئ حينما يقرأ فصول الكتاب يكتسب خبرة ويزداد علما.. المتعة هنا تقف جنبا إلي جنب مع المعرفة.. وكثيرا ما أعجبت بالأجزاء التي تتحدث عن الحضارة المصرية.. ديورنت يؤمن بالحضارة المصرية القديمة فهي في عينيه من أعظم وأفضل الحضارات التي شيدها الإنسان, أشعر بالمرارة حينما أتصفح كتب التاريخ المدرسية, ولا أكاد أجد فصولا تتحدث عن عظمة حضارتنا المصرية بشكل لائق.. إن مناهجنا المدرسية عقيمة وبائسة.. فهي لا تجعل الطالب يتعرف علي تاريخ حضارة تعود إلي ثلاثة آلاف سنة, ك
ما يفعل الغرب في الخارج.. هذه الحضارة العظيمة ماذا يعرف طلابنا وتلاميذنا الصغار عنها؟ ألا يكفي أنها وضعت علامات مؤثرة في كل مجالات الحياة.. في العلوم والطب والتشريح والجراحات, فضلا عن كل جوانب حياتنا الاجتماعية؟.
ألا يكفي أن وضع المرأة في مصر القديمة لا شبيه له في سائر الحضارات الأخري؟.
لقد حازت المرأة المصرية القديمة علي احترام وتقدير من جانب الرجل.. كانت مستقلة.. لها رأيها الخاص الذي تعتد به, لها ذمة مالية منفصلة.. حكمت البلاد.. لها مكانتها في الأسرة والحياة الخاصة والعامة علي السواء.. مثل هذا التاريخ العظيم, لماذا لا يدرس؟ لماذا لا يعرفه تلاميذنا الصغار؟ لماذا علينا أن نعرفه عبر كاتب بريطاني.. هل هذا معقول؟!.
أشعر حقا بالمرارة.. فالحضارة حضارتنا لكننا لا نقدرها حق التقدير.. ولا نكاد نعرفها حق المعرفة.. وهذا أمر مؤسف.
هناك صحوة أدبية تبعث إلي الأمل والبهجة.. نعم هناك في مصر حالة( حراك ثقافي متوهج).. من يستطيع أن ينكر ذلك؟
* هناك كتب جديدة.. مكتبات جديدة.. دور نشر عديدة.. البلد قد أقبل علي القراءة مرة أخري بعد أن كان هناك عزوف عنها.. وهذه( الحالة) المتوهجة لم تشهدها مصر منذ نحو عشرين عاما.. نعم يمكننا رصد هذه الملحوظة بوضوح.
ليس كل الإنتاج جيدا.. هذا صحيح.. والذي يبقي هو الذي يستحق البقاء.
وليس دورنا أن نحدد نوع الكتابات ونضعها في قالب واحد كلاسيكي.
من قال إن العمل الأدبي موجود في شكل نمطي واحد لابد من تكراره؟.
هناك أعمال جيدة.. وأخري متوسطة وأخري رديئة.. وهذا طبيعي.. ولكن بوجه عام هناك حالة إيجابية سائدة في الوسط الإبداعي والثقافي يستشعرها الجميع.
هناك كتب لا تصنف بكتب أدبية, أعني أنها لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تحظي بهذا المسمي, لكنها مع ذلك تحقق مبيعات هائلة في سوق الكتاب.. ومرة أخري ليس هذا عيبا.. فالإبداع في تقديري يسمح بهذا.. هناك دائما حركة تشمله.. وعلي أي حال التكوين الفني عندي يشبه الهرم.. قاعدته عريضة ومتسعة.. تسمح بوجود كتابات مختلفة ومتباينة النوع والمستوي.. البعض يقبع في القاعدة… والبعض الآخر في منطقة الوسط.. وقمة الهرم تضم في أرجائها فقط المبدعين والأدباء العظماء.. أليس كذلك؟.
في زمن نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ولويس عوض ويوسف إدريس ألم يكن هناك كتاب أقل شأنا وأقل موهبة من كل هؤلاء العظماء.. فلما كل هذا الانزعاج إذن؟.
فقط أقول لكل هؤلاء النقاد والكتاب الذين لا يحتفون بتلك الحالة الإبداعية الإيجابية التي أتحدث عنها:
دعوا الزهور تتفتح!
ومع الوقت سوف تحدث عملية( غربلة) تلقائية.. ولن تبقي سوي الأعمال الجيدة التي تستحق البقاء والصمود.
فالفن والإبداع لا يعرفان الوساطة.. وهما أقوي من حكم النقاد ودعم الصحافة.
* هناك كتاب ظلت الصحافة( تطنطن) لهم وتكتب عنهم وتعرض أعمالهم وتفتح لهم صفحاتها, وحينما رحلوا عن دنيانا, لم يعد يذكرهم أحد! تلاشوا فجأة.. كما ظهروا فجأة.
فالدعاية من هذا النوع مرفوضة.. لا تصلح في الإبداع والفن.. وهي في الحقيقة بمثابة سقوط كامل.. فالكتاب عندي( منتج) واضح, لا يحتاج للإعلان عنه.. هناك شئ اسمه( تقديم الكتاب) وهو أمر مشروع ومعروف في جميع الدول الأوروبية, إذ إن دور النشر قبل بداية الموسم الأدبي, تكلف بعض المكاتب الصحفية المتخصصة بتوزيع الكتاب علي النقاد والكتاب والمبدعين والصحفيين كنوع من تقديمه قبل طرحه في الأسواق.. أي قبل ظهوره الإعلامي.. حيث تسعي دور النشر هنا إلي( جس النبض), والتعرف علي رأي النقاد والمفكرين في العمل.. هناك إذن فارق كبير بين الدعاية لكتاب ما وبين تقديمه قبل طرحه في الأسواق.. وللأسف الشديد نحن لا نتبع بعد هذه الوسيلة.
* أشعر بالتفاؤل والاطمئنان رغم كل ما يقال عن أحوالنا.. وهذا الشعور الذي يراودني لم يأت في الحقيقة من فراغ.. إذ إنني أحاول دائما أن أتفهم أحوال مصر عن طريق قراءة التاريخ.. فمصر لا يمكن أبدا التنبؤ بما سيحدث لها مستقبلا.
علي سبيل المثال, في بداية القرن العشرين, حينما كانت مصر تعاني من احتلال وحالة استسلام وضعف.. كانت تبدو مثل الرجل المريض الذي لا حول له ولا قوة.. هناك تبعية استعمارية.. ومناخ فاسد علي جميع الأصعدة.. وفي غمار كل هذه الأجواء والظروف السلبية اشتعلت ثورة1919 وحدث تحول جذري في أحوالها.. فمن كان بإمكانه أن يتنبأ بكل هذا؟ برأيي حالات الضعف والهوان لا تستمر لأكثر من عشرين عاما.. وهذا هو سر عظمة مصر..
فالجذور الحضارية في بلادنا قوية.. تضرب في الأرض في الأعماق.. ومهما أصابها من وعكات تظل دائما مثل الشجرة القوية.. العفية القادرة علي الازدهار.. هكذا قالت لنا سطور التاريخ.. نعيش الآن حالة من الصحوة والتدفق تجعلني أشعر بالتفاؤل..
* أعقد كل أسبوع ندوة أدبية بمقر حزب الكرامة التقي فيها مع الأدباء والكتاب.. نناقش عملا إبداعيا.. أو نجري حوارا أدبيا.. هناك العديد من الكتاب الموهوبين الذين فرضوا إبداعهم علي الساحة الأدبية بقوة.. هناك علي سبيل المثال لا الحصر حمدي الجزار ـ أحمد العايدي ـ محمد فتحي, وغيرهم.. أحاول بكل الطرق أن أمد يد المساعدة لأصدقائي وزملائي تماما, كما تلقيت يوما العون والتشجيع من أساتذتي: علاء الديب ـ جمال الغيطاني ـ د.جلال أمين ـ رجاء النقاش وصلاح فضل.. فمن واجبي الآن أن أرد الدين..
**منشور في صحيفة الأهرام 11 نوفمبر 2009