فاطمة الزهراء فلا

الروائي علاء الأسواني‏:‏ دعوا الزهور تتفتح‏!‏

ليلي الراعي‏
د. علاء الأسواني

نعيش حالة أدبية مزدهرة هذه الأيام‏..‏ هناك حالة حراك ثقافي متوهجة نشعر بها جميعا‏..‏ لذلك فأنا أحس بالتفاؤل والطمأنينة‏..‏ هكذا أكد لنا الروائي علاء الأسواني في حواره معنا‏:‏ يقول لنا‏:‏

اقرأ الآن كتاب‏(‏ قصة الحضارة‏)‏ للكاتب البريطاني ويل ديورنت‏,‏ وهو يحكي قصة الحضارة الإنسانية‏,‏ من بداياتها البعيدة إلي عصرنا الحديث‏..‏ كنت في الحقيقة قد قرأت الكتاب قبلا‏,‏ لكنني الآن أعيد قراءته ثانية‏..‏ فهو بمثابة قطعة من الأدب الرفيع‏..‏ درس في طريقة الكتابة‏..‏ والمدهش أن الكاتب يملك لغة ساخرة يوظفها جيدا لمصلحة نصه لتوصيل معني يريد أن يقوله للقارئ‏..‏ كلما قرأت فقرات الكتاب تملكني الإعجاب‏..‏ إن ديورنت هنا يقدم رؤية عميقة للنفس الإنسانية‏,‏ فضلا عن المعلومات والمعارف التي يعرضها عبر صفحاته‏,‏ فمن أهداف الأدب زيادة المعرفة الإنسانية‏,‏ القارئ حينما يقرأ فصول الكتاب يكتسب خبرة ويزداد علما‏..‏ المتعة هنا تقف جنبا إلي جنب مع المعرفة‏..‏ وكثيرا ما أعجبت بالأجزاء التي تتحدث عن الحضارة المصرية‏..‏ ديورنت يؤمن بالحضارة المصرية القديمة فهي في عينيه من أعظم وأفضل الحضارات التي شيدها الإنسان‏,‏ أشعر بالمرارة حينما أتصفح كتب التاريخ المدرسية‏,‏ ولا أكاد أجد فصولا تتحدث عن عظمة حضارتنا المصرية بشكل لائق‏..‏ إن مناهجنا المدرسية عقيمة وبائسة‏..‏ فهي لا تجعل الطالب يتعرف علي تاريخ حضارة تعود إلي ثلاثة آلاف سنة‏,‏ ك

ما يفعل الغرب في الخارج‏..‏ هذه الحضارة العظيمة ماذا يعرف طلابنا وتلاميذنا الصغار عنها؟ ألا يكفي أنها وضعت علامات مؤثرة في كل مجالات الحياة‏..‏ في العلوم والطب والتشريح والجراحات‏,‏ فضلا عن كل جوانب حياتنا الاجتماعية؟‏.‏

ألا يكفي أن وضع المرأة في مصر القديمة لا شبيه له في سائر الحضارات الأخري؟‏.‏

لقد حازت المرأة المصرية القديمة علي احترام وتقدير من جانب الرجل‏..‏ كانت مستقلة‏..‏ لها رأيها الخاص الذي تعتد به‏,‏ لها ذمة مالية منفصلة‏..‏ حكمت البلاد‏..‏ لها مكانتها في الأسرة والحياة الخاصة والعامة علي السواء‏..‏ مثل هذا التاريخ العظيم‏,‏ لماذا لا يدرس؟ لماذا لا يعرفه تلاميذنا الصغار؟ لماذا علينا أن نعرفه عبر كاتب بريطاني‏..‏ هل هذا معقول؟‏!.‏

أشعر حقا بالمرارة‏..‏ فالحضارة حضارتنا لكننا لا نقدرها حق التقدير‏..‏ ولا نكاد نعرفها حق المعرفة‏..‏ وهذا أمر مؤسف‏.‏

هناك صحوة أدبية تبعث إلي الأمل والبهجة‏..‏ نعم هناك في مصر حالة‏(‏ حراك ثقافي متوهج‏)..‏ من يستطيع أن ينكر ذلك؟

*‏ هناك كتب جديدة‏..‏ مكتبات جديدة‏..‏ دور نشر عديدة‏..‏ البلد قد أقبل علي القراءة مرة أخري بعد أن كان هناك عزوف عنها‏..‏ وهذه‏(‏ الحالة‏)‏ المتوهجة لم تشهدها مصر منذ نحو عشرين عاما‏..‏ نعم يمكننا رصد هذه الملحوظة بوضوح‏.‏

ليس كل الإنتاج جيدا‏..‏ هذا صحيح‏..‏ والذي يبقي هو الذي يستحق البقاء‏.‏

وليس دورنا أن نحدد نوع الكتابات ونضعها في قالب واحد كلاسيكي‏.‏

من قال إن العمل الأدبي موجود في شكل نمطي واحد لابد من تكراره؟‏.‏

هناك أعمال جيدة‏..‏ وأخري متوسطة وأخري رديئة‏..‏ وهذا طبيعي‏..‏ ولكن بوجه عام هناك حالة إيجابية سائدة في الوسط الإبداعي والثقافي يستشعرها الجميع‏.‏

هناك كتب لا تصنف بكتب أدبية‏,‏ أعني أنها لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تحظي بهذا المسمي‏,‏ لكنها مع ذلك تحقق مبيعات هائلة في سوق الكتاب‏..‏ ومرة أخري ليس هذا عيبا‏..‏ فالإبداع في تقديري يسمح بهذا‏..‏ هناك دائما حركة تشمله‏..‏ وعلي أي حال التكوين الفني عندي يشبه الهرم‏..‏ قاعدته عريضة ومتسعة‏..‏ تسمح بوجود كتابات مختلفة ومتباينة النوع والمستوي‏..‏ البعض يقبع في القاعدة‏…‏ والبعض الآخر في منطقة الوسط‏..‏ وقمة الهرم تضم في أرجائها فقط المبدعين والأدباء العظماء‏..‏ أليس كذلك؟‏.‏

في زمن نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم ولويس عوض ويوسف إدريس ألم يكن هناك كتاب أقل شأنا وأقل موهبة من كل هؤلاء العظماء‏..‏ فلما كل هذا الانزعاج إذن؟‏.‏

فقط أقول لكل هؤلاء النقاد والكتاب الذين لا يحتفون بتلك الحالة الإبداعية الإيجابية التي أتحدث عنها‏:‏

دعوا الزهور تتفتح‏!‏

ومع الوقت سوف تحدث عملية‏(‏ غربلة‏)‏ تلقائية‏..‏ ولن تبقي سوي الأعمال الجيدة التي تستحق البقاء والصمود‏.‏

فالفن والإبداع لا يعرفان الوساطة‏..‏ وهما أقوي من حكم النقاد ودعم الصحافة‏.‏

*‏ هناك كتاب ظلت الصحافة‏(‏ تطنطن‏)‏ لهم وتكتب عنهم وتعرض أعمالهم وتفتح لهم صفحاتها‏,‏ وحينما رحلوا عن دنيانا‏,‏ لم يعد يذكرهم أحد‏!‏ تلاشوا فجأة‏..‏ كما ظهروا فجأة‏.‏

فالدعاية من هذا النوع مرفوضة‏..‏ لا تصلح في الإبداع والفن‏..‏ وهي في الحقيقة بمثابة سقوط كامل‏..‏ فالكتاب عندي‏(‏ منتج‏)‏ واضح‏,‏ لا يحتاج للإعلان عنه‏..‏ هناك شئ اسمه‏(‏ تقديم الكتاب‏)‏ وهو أمر مشروع ومعروف في جميع الدول الأوروبية‏,‏ إذ إن دور النشر قبل بداية الموسم الأدبي‏,‏ تكلف بعض المكاتب الصحفية المتخصصة بتوزيع الكتاب علي النقاد والكتاب والمبدعين والصحفيين كنوع من تقديمه قبل طرحه في الأسواق‏..‏ أي قبل ظهوره الإعلامي‏..‏ حيث تسعي دور النشر هنا إلي‏(‏ جس النبض‏),‏ والتعرف علي رأي النقاد والمفكرين في العمل‏..‏ هناك إذن فارق كبير بين الدعاية لكتاب ما وبين تقديمه قبل طرحه في الأسواق‏..‏ وللأسف الشديد نحن لا نتبع بعد هذه الوسيلة‏.‏

*‏ أشعر بالتفاؤل والاطمئنان رغم كل ما يقال عن أحوالنا‏..‏ وهذا الشعور الذي يراودني لم يأت في الحقيقة من فراغ‏..‏ إذ إنني أحاول دائما أن أتفهم أحوال مصر عن طريق قراءة التاريخ‏..‏ فمصر لا يمكن أبدا التنبؤ بما سيحدث لها مستقبلا‏.‏

علي سبيل المثال‏,‏ في بداية القرن العشرين‏,‏ حينما كانت مصر تعاني من احتلال وحالة استسلام وضعف‏..‏ كانت تبدو مثل الرجل المريض الذي لا حول له ولا قوة‏..‏ هناك تبعية استعمارية‏..‏ ومناخ فاسد علي جميع الأصعدة‏..‏ وفي غمار كل هذه الأجواء والظروف السلبية اشتعلت ثورة‏1919‏ وحدث تحول جذري في أحوالها‏..‏ فمن كان بإمكانه أن يتنبأ بكل هذا؟ برأيي حالات الضعف والهوان لا تستمر لأكثر من عشرين عاما‏..‏ وهذا هو سر عظمة مصر‏..‏

فالجذور الحضارية في بلادنا قوية‏..‏ تضرب في الأرض في الأعماق‏..‏ ومهما أصابها من وعكات تظل دائما مثل الشجرة القوية‏..‏ العفية القادرة علي الازدهار‏..‏ هكذا قالت لنا سطور التاريخ‏..‏ نعيش الآن حالة من الصحوة والتدفق تجعلني أشعر بالتفاؤل‏..‏

*‏ أعقد كل أسبوع ندوة أدبية بمقر حزب الكرامة التقي فيها مع الأدباء والكتاب‏..‏ نناقش عملا إبداعيا‏..‏ أو نجري حوارا أدبيا‏..‏ هناك العديد من الكتاب الموهوبين الذين فرضوا إبداعهم علي الساحة الأدبية بقوة‏..‏ هناك علي سبيل المثال لا الحصر حمدي الجزار ـ أحمد العايدي ـ محمد فتحي‏,‏ وغيرهم‏..‏ أحاول بكل الطرق أن أمد يد المساعدة لأصدقائي وزملائي تماما‏,‏ كما تلقيت يوما العون والتشجيع من أساتذتي‏:‏ علاء الديب ـ جمال الغيطاني ـ د‏.‏جلال أمين ـ رجاء النقاش وصلاح فضل‏..‏ فمن واجبي الآن أن أرد الدين‏..‏

**منشور في صحيفة الأهرام 11 نوفمبر 2009