نقطة عبور | ||
خطورة تهذيب التراث | ||
| ||
جمال الغيطانى | ||
ان ترحال النص من زمن إلي آخر يجب أن تحترم شكله وجوهره، ذلك أنه أنتج في مجتمعات لها ظروف بعضها يندثر والعديد منها يختفي، أقصد الظروف المحيطة، لكن النص المكتوب إذ ينتقل من زمن إلي آخر فلابد من الحفاظ علي لغته ومضمونه، فإذا وصل إلي عصر معين تتغير فيه القيم عن تلك التي كانت سائدة وقت كتابته، فلابد من الحفاظ عليه وحمايته من العبث به، سواء كان ذلك بالحذف أو الإضافة، أن معني التدخل تغيير النص علي مستوي الشكل والمضمون، وبالتالي تنتهك حرمة النصوص، وتنتفي قيمتها، لن نقرأ النص كما كتب، انما سنقرأه كما يريد له المتشددون أن يكون، وهؤلاء ظواهر عرضية، فما يرفضه البعض الآن سيقبل في المستقبل، فإذا قبلنا بالضغط من هؤلاء الجهلاء، قصيري النظر أو المتطلعين إلي عوامل تجارية، منها ضمان توزيع النصوص التراثية في الأقطار العربية التي يسودها التشدد والتي كان ثراؤها وبالاً ثقيلا علي الثقافة العربية بتصديرها القيم المتخلفة إلي الأقطار المتقدمة حضارياً وثقافياً، هذا ما جري في سوق نشر التراث بالمراكز المهمة المؤثرة لأكثر من قرنين من الزمان، سواء في بيروت أو القاهرة أو بغداد التي كانت حتي تسترد مكانتها في الثقافة العربية بعد زوال الاحتلال. لقد جري تدخل خفي ضد موسوعة الفتوحات المكية للشيخ الأكبر ابن عربي والتي كانت قد بدأت أجزاؤها في الصدور عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بتحقيق الدكتور عثمان يحيي، صدر أربعة عشر مجلداً، وفقد جزءان مخطوطان اختفيا بعد أن سلمها المحقق الذي وافته المنية قبل أن ينجز تحقيق الفتوحات، ربما كان تدخلاً مباشراً قد جري من الدول الثرية التي تسعي إلي إضعاف دور مصر الثقافي، وإلي اخفاء المصادر الصوفية الكبري، وربما اراد المسئول عن الهيئة وقتئذ ارضاء أصدقائه هناك، المهم أن تأثيراً سلبياً جري، ولذلك أري ضرورة تصدي الهيئة إلي تحقيق النصوص الكبري في الفلسفة الإسلامية، في التصوف، أن تقدمها مرة أخري إلي القراء مواصلة للدور المصري الذي أسس لصناعة الكتاب من خلال اصدارات دار الكتب، كما أناشد الدكتور فوزي فهمي أن يعيد طباعة الموسوعة الجليلة »الشفاء« لأعظم فلاسفة الإسلام ابن سينا والتي بدأ تحقيقها عام تسعة وأربعين ولم تتم حتي الآن، يشجعني علي ذلك أنه أقدم علي نشر الأعمال الكبري كاملة وبدون حذف علامة ترقيم واحدة، أعني خطط علي باشا مبارك، والآن »المغني« للقاضي عبدالجبار في الطريق، ليس من المعقول أن تقدم طهران علي اعادة طبع ما انجزته مصر في النصف الأول من القرن الماضي بالتصوير، وألا تصدر هذه الأعمال للقاريء المعاصر في مصر، من هنا كانت فكرة سلسلة الذخائر التي اقترحتها عام أربعة وتسعين علي طيب الذكر حسين مهران، الدور الرئيسي لهذه السلسلة اعادة تقديم المسكوت عنه في التراث، المحجوب لأسباب نعرفها كلنا، خاصة المهتمين بالنشر وطباعة التراث خاصة، لقد تم حجب أعظم ما انتجته الحضارة الإسلامية وعلي مصر أن تعيد تقديم ما اختفي منه بسبب استشراء التشدد والجهل، وغوغاء الشخصيات الراسبوتينية التي تعتلي مصاطب أجهزة الأعلام الآن وتملأ الدنيا نهيقاً مؤذياً ومزعجاً ضد الثقافة والمثقفين، إن تقديم نتاج الحضارة الإسلامية العربية واجب انساني وثقافي، لكن عندما نقدمه يجب أن نحترمه وأن نعيده إلي القراء تماما كما أنتج، وكما أبدع، اما الحذف فهو التدمير عينه للذاكرة وللثقافة معا. |