فاطمة الزهراء فلا

نجاح مشرف لمؤتمر البريد وحمل اسم الكاتب الكبير توفيق الحكيم।

عشرات المبدعين شاركوا بأبحاثهم وأدلوا بشهاداتهم في المؤتمر الذي حمل أمانته الأديب والشاعر حزين عمر

العمل الجماعي كان عنصر النجاح الحاسم في الملتقي الابداعي الثاني للبريد المصري دورة توفيق الحكيم فمع تبني هيئة البريد برئاسة د.أشرف زكي. وحملها العبء الأكبر لإقامة هذا الحدث الثقافي غير النمطي. تدخلت جهود دار التحرير للطبع والنشر برئاسة الكاتب الصحفي علي هاشم وتكاتفت مساهمات الصحافة ووسائل الإعلام بشكل ملموس لتبرز هذا الحدث. مما يوحي بأن حالة الجفاء التي كانت قائمة بين الثقافة والاعلام قد بدأت تتلاشي. ولم يعد الأدباء والمثقفون محاصرين داخل جدران اهتماماتهم.
العمل الجماعي بدا كذلك واضحا في هذا الملتقي الثري من خلال هذا التلاقي والتمازج بين الأدباء: مبدعين ونقادا. وبين الفنانين المنتمين للواقع الثقافي مثل د.أشرف زكي نقيب الممثلين والفنان أحمد ماهر والفنان محيي الدين عبدالمحسن والفنان نبيل الهجرسي.. كما أن الملتقي لم ينغلق علي البعد البحثي والنقدي فقط بل شهد فقرة غنائية للفنان حسني عامر. لحن خلالها وغني كلمات جديدة في هذه المناسبة تتماشي مع فكرة البريد والرسائل والبوسطجية!! وحظيت هذه الأغنية التي ولدت لأول مرة في الملتقي بنجاح كبير ورضا من جمهور الأدباء والفنانين ورجال البريد.
تبني المبدعين الملتقي الذي قدمه حمدي الكنيسي بالاضافة لمشاركته في المائدة المستديرة مع الفنان د.أشرف زكي وفريدة
النقاش ونبيل الهجرسي ود।شريف بطيشة بدأ بكلمات افتتاحية لكل من علي هاشم ود.أشرف زكي رئيس البريد. أكدا خلالها علي قيمة الثقافة. وأهمية أن تتكاتف جهود المؤسسات الكبري من أجل دعمها والدفاع عنها. وتبني المبدعين بصفتهم ثروة قومية.. وهذا الدور يعد استكمالا لدور البريد المصري في خدمة المجتمع والتواصل معه بكل فئاته وطبقاته.. وتم الاعلان عن بدء تنظيم مسابقة أدبية في مجالات: الشعر والقصة والرواية والفن التشكيلي والكاريكاتير والفكر المستقبلي.
الجائزة توضع لها الضوابط والقواعد من خلال اللجنة العليا للمسابقات التي بدأت اجتماعاتها فعلا وتم تشكيل لجان تحكيم متخصصة لها.. علي أن تجري كل عام في ثلاثة مجالات من هذه المجالات المذكورة. وتجري هذا العام في مجال الشعر والقصة القصيرة والكاريكاتير.. وتقدم جائزة أولي في كل مجال عشرة آلاف جنيه. وجائزة ثانية خمسة آلاف. وثالثة ثلاثة آلاف.. بالاضافة إلي جائزة واحدة في مجال الفكر المستقبلي مقدارها 20 ألف جنيه. وهي تشترط اجراء بحث خاص للمسابقة في هذا المجال. بشروط حددتها اللجنة العليا للمسابقات. وسوف توزع جوائز هذه المسابقات في الملتقي القادم الذي يحمل اسم "عبدالله النديم" ويقام في يناير القادم شهر أعياد البريد" طبقا لما أوصت به الأمانة العامة لبروتوكول التعاون المشترك بين البريد المصري ودار التحرير للطبع والنشر.
شهد الملتقي مع جلسة الافتتاح التي عرض خلالها فيلم وثائقي قدمته هيرمين كمال عن البريد وعلاقته بالمجتمع. وفيلم ضم مشاهد درامية عن البريد في الأفلام العربية. وغناء حسني عامر. وتكريم الروائي الكبير بهاء طاهر واسم الراحل فوزي شلبي. وتوقيع طابع بريد جديد باسم توفيق الحكيم في حضور حفيده اسماعيل نبيل شهد مع هذه الأحداث جلستين بحثيتين ضمت أبحاثا للنقاد: د.حسن فتح الباب "رسائل غيرت مجري التاريخ". ود.سيد قطب الأفق البياني في رواية "زهرة العمر" لتوفيق الحكيم. وحزين عمر "رسائل مصطفي كامل بين الذاتية والوطنية". ود.محمود نسيم "رسائل زهرة العمر لتوفيق الحكيم". وأحمد مبارك "البريد بين الماضي والحاضر والمستقبل". وسمير بسيوني "إشكالية المثقف في الرواية المصرية". وإبراهيم عبدالعزيز "توفيق الحكيم ورسائله العجيبة". ود.محمد زيدان ذاكرة الراوي في "عودة الوعي". وأحمد رشاد حسانين البريد الكوني المعجز في مسرحية "سليمان الحكيم". ومحمد الفخراني "أول ساعي بريد جوي في التاريخ". وأيمن شرف "قصة البدايات الأولي للبريد المصري".
عقدت جلسة شهادات تحدث فيها الأدباء: عبدالوهاب الأسواني عن "فضل البريد في تحويل الأعداء إلي أصدقاء" ومحمد أبوالعلا السلاموني عن "رسائل من دخان في الهواء" ود.عيد صالح "ليس للنص حدود" وهالة فهمي "بدون طوابع" ومحمد العزوني "كما يشتاق الزرع للماء".
فجر الحداثة الروائية
في دراسته عن الأفق البياني في رواية زهرة العمر. قال د.سيد قطب: إن هذه الرواية هي الشعاع الأول في فجر الحداثة الروائية. وجاءت فصولها في شكل رسائل. تصدر من طرف واحد إلي طرف غائب في عمل لمبدع له هوية الكاتب المسرحي. مما جعلنا نري هذه الرواية كما لو كانت "مونودراما روائية" استهلمت بنية مسرحية. واتخذت منها قناة للتعبير عن حداثة العصر في الانتاج الأدبي. وقد جاء هذا الاستلهام لتوظيف صيغة حكائية جديدة. هي تيار الوعي الذي ينطلق فيه صوت الراوي متجاوزا المنطق والترتيب والحكاية التقليدية. ليكشف أعماق النفس الانسانية.
عن البريد بين الماضي والحاضر والمستقبل قال أحمد مبارك في بحثه: إن الانسانية عرفت الرسالة البريدية منذ العصر الفرعوني والرسالة كوسيلة اتصال كانت مرتبطة بمعرفة القراءة والكتابة ولذا فقد انحصر تبادلها في الحكام والكهنة والقادة العسكريين والكتبة. وعاصر ذلك معرفة الآشوريين والفرس وبعض بلاد الشام للبريد. وكانت الرسائل تخص الشأن العام وتدخل في نطاق السياسات والاتفاقات والمعاهدات والشئون العسكرية وكان ساعي البريد في هذه الحالة جنديا أو فارسا يتسم بالقوة البدنية والأمانة والذكاء.
ذكر سمير بسيوني في بحثه "إشكالية المثقف في الرواية المصرية" أن توفيق الحكيم عاني كثيرا ليسفر عن وجهه الأدبي في المجال الذي فرضه عليه أبوه وأهله وهو العمل بالقضاء. بصفته مجالا محترما يقدم رجال السياسة والحكم. بينما لا يحظي الأدب والفن بأي احترام!!
لكن الحكيم لم يستمر علي هذا الوضع واستقال من العمل عام 1943 ليمارس حريته ويهرب من سجن المجتمع.. لقد انتصرت أخيرا شخصية المثقف علي شخصية الموظف.. وانتصر "المشخصاتي" واختفي رجل القضاء!!
وحول كتاب "عودة الوعي" للحكيم رأي د.محمد زيدان أنه يمثل شهادة علي أخطر فترة مر بها الوطن في تاريخه المعاصر. مثلت من وجهة نظر الحكيم انبعاث الروح الجديدة التي عادت إلي جسدها بعد ثورة 23 يوليو. وكانت قد ظلت ممزقة بفعل سيطرة أسرة محمد علي والاحتلال والاقطاع والجهل والتخلف والفساد.
وأشار محمد الفخراني في دراسته "أول ساعي بريد جوي في التاريخ" إلي أن العرب أول من فطن إلي مميزات الحمام الزاجل. فاستخدموه في البريد. خاصة بعد أن تباعدت أطراف الدولة في عهد العباسيين ببغداد والأمويين بالأندلس. فاستخدم الحمام الزاجل في نقل البريد عام 1150م ببغداد بأمر الخليفة واستخدمه العرب في حالات الحصار للقوات المتحاربة. وخاصة أثناء الحملة الصليبية.
في شهادته ذكر عبدالوهاب الأسواني أن تاريخنا حافل بالحكايات عن الرسائل. والتي كان بعضها يجلب المصائب لأصحابها!! ومنها رسالة بعث بها أحد الولاة الذي استقل عن بغداد وأطلق علي نفسه ألقاب الملوك إلي جيرانه المغوي يطلب منهم أن يخضعوا له وإلا سحقهم. فهاجمه المغول مروا بلاده. وكان هو نفسه أول الضحايا!! وكانت لي في بداية حياتي الأدبية رسال بريدية. بعضها من النوع الذي يجلب المصائب. وأذكر منها رسالتين الأولي ليوسف الشاروني والثانية كانت إلي رجاء النقاش!! وقد هاجمتهما فيهما عن بعد!!
الملتقي الذي أقيم بنادي ضباط الشرطة. وشارك فيه أكثر من 150 أديبا وفنانا ومسئولا بريديا. شهد مناقشات مفتوحة شارك فيها الأدباء: سعيد رفيع وأشرف الخطيب ونفيسة عبدالفتاح وفكري داود ومصطفي عبدالله وصبري قنديل وسحر الأشقر ومحمد البهنساوي والفنانون أحمد ماهر ومحيي الدين عبدالمحسن ونبيل الهجرسي. وقد أشادوا بفكرة التعاون بين شتي المؤسسات القومية لخدمة الثقافة. وطالبوا بتنظيم هذا الملتقي أكثر من مرة في العام!!

فاطمة الزهراء فلا