First Published 2010-05-28, Last Updated 2010-05-28 08:31:01 صوفية ثورية
ميدل ايست اونلاين القاهرة ـ الحيوية هى الوصف الملائم للندوة التي نظمها الملتقى الأدبي لحزب التجمع بالقاهرة الاثنين (24 مايو/آيار الحالى) لمناقشة رواية الأديب قاسم مسعد عليوة (الغزالة)، وحضرها جمهور من الأدباء والنقاد والفنانين التشكيليين والمخرجين والسياسيين والصحفيين، وعكست مداخلاتهم على الدراسات التي قام بها كل من الدكتور عبد المنعم تليمة، والدكتورة سهير فهمي، والكاتب أسامة عرابي، وعياً فنياً عالياً واستبصاراً عميقاً بالرواية وتاريخ كاتبها. في ورقته وقف أسامة عرابي أمام النصوص الموازية لمتن الرواية من عنوان وإهداء وتصدير، وحللها تحليلاً لغويا أوصله إلى أن قاسم مسعد عليوة إنما يسعى إلى توسيع حدود اللغة باقتراحه عمليات تأويلية جديدة ترسي دعائم الحرية وتنتصر للتنوع؛ ومع أنه قد أفاد من التراث الصوفي، فإن صوفيته ليست صوفية الفناء والحلول، وإنما هي صوفية ثورية حددت موقفها من سلطات ثلاث هي: الدولة، الدين، والمال. وانتقل من التحليل اللغوي إلى تحليل الشخصيات الرئيسة في الرواية وحددها في: المُعلم، التلميذ، والغزالة، وفيما يتعلق بشخصية المُعلم استدعى مقولة البسطامي التي مفادها أنَّ من لم يكن له أستاذ فإمامه الشيطان، وقال إن قاسماً جاء بما يغاير هذه المقولة فالمُعلم عنده إنما يحمي تلميذه من مغبة السقوط في هوة الصوفية المغلوطة. ولمس عرابي في الرواية مناطق التعامل مع النسبي والمطلق، ونشدان التوحد بين الروح والجسد، والحقيقة والمعنى؛ وانتهى إلى أن الرواية تنقل تجربة شديدة الخصوصية والفرادة وتحارب النقل والتقليد. *** وآثرت د. سهير فهمي أن تستهل ورقتها بالحديث عن كاتب الرواية، فقالت إنه يمتلك أدوات البلاغة والفصاحة، وإنه فقيه في لغته، وهي لغة خاصة جداً، تتميز العلاقات بين مفرداتها بالثراء والعمق والشاعرية؛ وبعد أن نعت على الأدب العربي الحديث افتقاره لهذه النوعية من الكتابة قالت إنه على الرغم من انتصار المُعلم للحساب وتأكيده على أنه أهم وأرفع مكانة من الفصاحة، فإن نص الرواية نص بلاغي بالدرجة الأولى، يأسر القارئ ويمتعه. والنص من وجهة نظرها محير، وهذه الحيرة هي أول ما يقابل القارئ فيسأل: هل هى رواية كالروايات المتداولة؟ ولأن المؤلف يعلم أنَّ قارئه سيسأل بالحتم هذا السؤال فقد عُنى بتهيئة القارئ لما هو مقبل عليه، فصدَّرَ الغلاف الداخلي للرواية بعبارة تقول "رواية غير مألوف الروايات.. رواية ككل الروايات". وبعد أن عرضت لما تمثله شخصيات المُعلم والتلميذ والغزالة من معان وما تقوم به من أدوار، تناولت علاقة القارئ بالنص، فالتلميذ يسرد، والقارئ يحاول أن يسأل ليستوعب، ويسعى لفك الرموز، لكن الإجابة لا تأتيه إلا في الصفحة الأخيرة، وهي إجابة ـ حسبما قالت ـ تتيح اليقين بأنه أمام رواية مكتملة، وبهذا الاكتمال تغلق الدائرة، فالرواية من وجهة نظرها دائرية، واستشهدت على هذه الدائرية بفصل في الرواية عنوانه "تمام اكتمال المرأة"، وهذا الاكتمال تم فى النهاية عن طريق امرأة هي فلقة قمر، ظهرت للتلميذ بعد أن هجره مُعلمه لتراوده عن نفسه، ويظل هو مقاوماً لها خائفاً منها إلى أن يستسلم لها، فيذوب فيها وتذوب فيه، ليظهر رشأ رشيق يأخذ فى التمَسُّح به لتكتمل الرواية بآخر كلمة فيها. وقالت د. سهير إنه على الرغم من شيوع الحس الصوفي في الرواية، فإنها تنطوي على عشق وولع بالحياة، واستحسنت من إجابة المُعلم على سؤال تلميذه له "من أنت؟" قوله "أنا حصيلة اضطراب هذا الكون"؛ وقالت إنَّ المعلم يُعلي من شأن الجسد، لا ينعزل في صومعة أو غار، بل يقبل على الناس ويقودهم ويُعظِّم شأن العلم. والزمان والمكان في الرواية مختلطان خلطاً مقصوداً؛ والرواية تعتمد الرمز وتنتصر للبصيرة من خلال مشاهد أو مقاطع قصيرة كتلك التي حفلت بها الكتب المقدسة كالتوراة والإنجيل والنصوص الدينية في الحضارات القديمة، وأشارت د. سهير إلى أن المفارقة والرمز ملمحان من أهم ملامح هذه الرواية، وإلى اختلاف العلاقة التي تعرضها الرواية بين المُعلم والتلميذ عن العلاقة بين السيد والفرفور؛ أما الغزالة التي لم تظهر في الرواية غير مرات أربع، فهي الغائبة الحاضرة طول الوقت، وهي تغضب من المُعلم، وتتمسك به، وتحميه؛ ووسمتها بالحيوية، وقالت إنَّ ظهورها واختفاءها هو وعد بالتواصل. *** وأعلن د. عبدالمنعم تليمه فى مستهل كلامه بأنه يتابع رحلة قاسم مسعد عليوة الإبداعية منذ أربعة عقود كاتباً للقصة والمسرحية والمقال الثقافي، وبعد أن وصفه بأنه أحد الكتاب الفاعلين في المجتمع الثقافي انتقل إلى الحديث عن الفن الروائي واستعرض في عجالة تاريخ هذا الفن والتحولات التي طرأت عليه وما آل إليه في وقتنا الراهن، وقال إن منتجي الرواية الآن لاتينيون وأفارقة وشرق أوسطيون وأسيويون، وعناصر الرواية التي ألفناها كالشخصية والمكان والزمان تزلزلت وتفككت؛ وبرهن على هذه التحولات كلها برواية "الغزالة". وفي نقلة أخرى طرح سؤالاً ليجيب عليه عن زمان هذه الرواية، ودون أن يشير إلى ما اعتاد النقاد عرضه عن الزمان، إذا ما حاولوا الإجابة عن سؤال مثل هذا، بجمعهم أو فصلهم بين الزمان الكرونولوجي وزمان الكتابة وزمان النص وزمان التلقي، أجاب إجابة مغايرة للمألوف إذ قال إنَّ الخبرة البشرية هي زمان رواية قاسم مسعد عليوة. وتساءل: هل المُعلم هو جبريل حامل الوحي، أم هو سندباد المغامر؟ وأجاب بأنه لا هذا ولا ذاك، فهو لا يبث في روع تلميذه سوى خبرة الإنسان على الأرض، وعلى الرغم من استفادة الرواية من المنجز الجمالي الصوفي فإنَّ الرواية لا تتبنى مفاهيم التصوف المألوفة، بل هي تكسر حدة الولاء للحزم الديني الضيق بالمفهومين الأرسطي والكنسي، وهي أيضاً تجاوز الحزم البلاطي لدى الخليفة أو السلطان؛ ويحدث هذ الكسر لحساب التخييل، والفن في أساسه تخيل وموازاة رمزية. وقال إنَّ هجران المُعلم لتلميذه هو هجران ثوري، هجران يدفع إلى التعرف على معاني التحرر وأهمية الابتكار، وما تَمَسُّح الرشأ الرشيق بالتلميذ وهو يبحث عن طريق نجاته عند التقائه بالمرأة الجميلة ـ (النَيِّفة) على حد قوله ـ إلا دلالة على الامتداد والمواصلة وعدم التعطل عن البحث، واستشهد بآخر جملة في الرواية "وأجمل ما رأيتُ رشأ رشيقاً جاءنى مسرعاً وراح يتمسح بساقىّ دون أن يعطلنى عما أفعل". وقال إنَّ الرواية وهي تحتفي بالمأثور لم تحتف بالمأثور الديني ولا حتى الصوفي، وإنما احتفت بما وصفه بالمأثور الروحاني. ومع هذه الروحانية اهتمت ببطولات الشعوب، وانفتحت على التفاعلات الاجتماعية والثقافية. وقرظ د. تليمة ما جاء بالرواية عن الاكتمال، فالاكتمال كما قال مُعلم قاسم "يوهن الهمَّة فى حين أن النقص يثيرها"، و"الغزالة" مفتاح خطير لهذا كله. وفي النهاية وصف الرواية بالفذة، وخيال قاسم بالمقتدر، وقال إن لغة الرواية تعجبه وتعجب أمثاله من النقاد، ووجه خطابه للمؤلف قائلاً: إحى من مفردات العربية ما شئت، فأمامك لغة هي أطول اللغات الحية عمراً، ولديك أدب هو أطول الآداب الحية عمراً، لكن حذاري من الغلو. *** وتعددت المداخلات التي انتهت إلى تقريظ المؤلف وتهنئته، ومن المداخلين: الروائية اللبنانية د. رجاء نعمة، الروائية ابتهال سالم، والناقد أحمد رشاد حسانين، والروائي إبراهيم صالح، والمخرج خالد عزت، والقاص محمد فرج، والكاتب عادل الضو، والفنان التشكيلي العراقي عبدالوهاب العراقي. |