أسامة فاروق | ||
رغم محاولة د.حسين حمودة نفي الربط بين مناقشة كتاب سهير القلماوي الآن وبين الأزمة التي تتعرض لها الليالي، إلا أنها _الأزمة- كانت حاضرة في كلمات المتحدثين الثلاثة اللذين تحدثوا في الندوة:د.جابر عصفور، والروائي جمال الغيطاني، ود.سليمان العطار. عصفور وصف من يهاجم صدور ألف ليلة وليلة ب"خفافيش الظلام" وقال بأنه إذا كان للعرب أن يفتخروا بكتاب فهو هذا الكتاب، الذي لا يوجد ما يناظره "نتحدث عنه هنا باعتباره تراثا إنسانيا لا يخصنا وحدنا، الإنسانية كلها معنا في الدفاع عن ألف ليلة، كما كانت معنا حينما دافعنا عن نجيب محفوظ". تحدث عصفور عن "ألف ليلة" وعلاقتها بالصحراء والمدينة، قال أنها منسوبة لثقافة المدينة، و"شهرزاد" تعني في أصلها الفارسي بنت المدينة، إذن ألف ليله انتقال من البداوة للحضارة تحوي في بنائها أفكار التسامح والحوار، ولا أدل علي ذلك من قصة الجارية "تودد". "شهريار" أيضا ابن المدينة _يضيف عصفور- لكنه حاكم ظالم ومستبد استطاعت شهرزاد/المرأة أن تتغلب عليه بالحكي "هي إذن انتصرت بالحكي علي الموت، وأيضا علي عقلية شهريار/الرجل". لكن للأسف عادت العقلية البدوية للسيطرة مرة أخري مع دخول الإسلام، وظهور الأفكار السلفية، إلي أن عادت المدينة للسيطرة مرة أخري، لكن جاءت هزيمة 67 فأعادت الفكر السلفي مرة أخري، ذلك الفكر الذي استطاع أن يهزم "الإسلام المصري" المتفرد الذي استوعب كل الاتجاهات والأفكار "تلك العقلية تطل برأسها كل فترة لتهدم إيماننا بالمدينة". وحول الأزمة الأخيرة قال عصفور أن الدعوي القضائية ليس لها أي قيمة لأن الإصدار الأخير من ألف ليلة يستند إلي حكم تاريخي بصلاحية طباعة الليالي، تساءل عصفور في نهاية كلمته هل مصادفة أن تكون ألف ليلة التي تمثل العقلية المتفتحة محورا لأول رسالة دكتوراه تقوم بها امرأة في العالم العربي؟ وأجاب بالطبع ليست مصادفة "فهذه هي المرأة تعود من جديد لتدرس الليالي النص المنفتح بل وتنقله من الخيال الطفولي لقاعات الدرس العلمي، لذلك فبقدر ما أحيي شهرزاد أحيي سهير القلماوي". الغيطاني بدأ كلمته مؤكدا أنه يتحمل وحده مسئولية طباعة الليالي، قال أنه يعتذر لكل من "تورط" معه في هذا الأمر، وقال إنه مستعد لأن يكون "شهيد ألف ليلة" علي حد تعبيره. بدأت علاقة الغيطاني بالليالي في القاهرة القديمة "المعادل المكاني لليالي الألف" هناك لاحظ أن التصميم المعماري يوازي تماما بناء ألف ليلة، لاحظ علاقة الجزء بالكل، وتلك الوحدات التي تتكرر وتتناسل من بعضها تماما كما في الليالي "نفس منطق الحكي". قال الغيطاني أنه إضافة لتماهي الليالي مع الرؤية الإسلامية للكون، أطلقت العنان للمخيلة لأقصي مدي، لكنها كانت للأسف "محتقرة" لأنه لا أب لها، ظلت محل شك دائما، رغم أن جميع متون الأدب العربي الأساسية مليئة بما هو متجاوز لألف ليلة عشرات المرات، حتي لتصبح الليالي كما قال الغيطاني أكثر نصوص الأدب حشمة. ما يحث الآن جزء من تحرك منظم يستهدف إرهاب المثقفين ـ قال الغيطاني- هذا تيار جديد يستخدم القانون للإرهاب، وهناك شخص علي صلة بهؤلاء رفع أكثر من 70 قضية علي المثقفين، "لو ردوا علي النشر بالكتابة لنشرت ما كتبوه ولرددت عليهم، لكن هذا أسلوب جديد تماما، قالوا أنهم "فوجئوا" بالكتاب! الآن فوجئوا بعد كل هذه السنوات لم يكونوا علي علم بوجود هذا الكتاب "ما كل هذه الثقافة؟!". ويقولون أن طبع هذا الكتاب إهدار للمال العام وأقول لهم إن إعادة طبع هذا الكتاب أعاد أحقية مصر في الكتاب الذي ظل هاربا في العالم العربي، تحت ضغوط السلفية". الغيطاني حيا إجماع المثقفين علي أهمية مواجهة هذه الأزمة بقوة، وقال أنه ربما يكون الإجماع الأول من نوعه بين المثقفين. المتحدث الأخير د.سليمان العطار حاول تتبع تأثيرات النص الفريد في آداب العالم خاصة الأدب الاسباني، مركزا علي التأثير في "دون كيشوت" التي كتبها سرفانتيس علي نفس نمط كتابة الليالي، وكلاهما نصوص إنسانية فريدة لا يجوز مصادرتها بأي حال. |