فاطمة الزهراء فلا
المعرض نجح في أن يكون مخزنا ضخما للكتب يضم أبرز الناشرين العرب والمحليين ، ولكنه لم يعد عرسا للثقافة وأهل الفكر والرأي والإبداع في كافة المجالات.

أما الندوات الثقافية فلم تجذب زوار المعرض لأنها تكرس لأسماء وقضايا نمطية ليس فيها جديد للنقاش حوله وإنما تكرارا مملا لقضايا قتلت بحثا ، ودائما ما يغلب عليها الطابع الحكومي ، وهكذا تسربت الرتابة لنشاط المعرض وفقد بريقه الذي كان يؤكد قيمة ومكانة مصر الثقافية " ..

هذه الانتقادات تعلو كل عام وتصاحب فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب ، وفي ختام الدورة الـ42 للحدث الثقافي الأبرز عربيا ، استطلعت " محيط " رأي عدد من الكتّاب في أداء معرض القاهرة للكتاب ، وحملت التساؤلات للكاتب الصحفي حلمي النمنم نائب رئيس الهيئة العامة للكتاب المنظمة للمعرض.

و أكد النمنم أن المعرض يتراجع أداؤه حينما يتحول لساحة جدل السياسي بين التيارات المختلفة ، ورغم أن ذلك يرضي الجمهور إلا أنه يصرف جهود القائمين على المعرض لمعالجة مشكلات أمنية وإعلامية كبيرة ، في حين يفشلون في تحقيق هدفه كمعرض دولي للكتاب او مراقبة أداء الناشرين أو التصدي لمحاولات بيع كل شيء في المعرض .. وليس الكتاب فقط ، محذرا من سحب الصفة الدولية عن المعرض بعد أن كان يحتل المرتبة الثانية دوليا..

وبنظرة عامة على المعرض ، فقد قال عدد من رواد المقهى الثقافي لـ" محيط " أنهم لمسوا هذا العام تطورا في الناحية التنظيمية ومستوى أعلى من النظافة والخدمات الإعلامية والصحفية كذلك ، أما زوار أجنحة هيئة الكتاب فركزوا على التخفيضات الهائلة في أسعار الكتب ولكن معظمهم اعتبر أن موضوعات الكتب تجذب المتخصصين وليس العامة وأنهم يحتاجون لكتب تواكب الشأن السياسي المحلي والعالمي ، إضافة لحاجتهم لسلاسل تاريخية عامة وليس في تاريخ مصر فحسب .

أما زائري الأجنحة المختلفة ، مصرية وعربية ، فاعتبروا أن أسعار الكتب قد ارتفعت بما أعاقهم عن شراء أغلب العناوين التي جاءوا للحصول عليها ، وكثير من محدودي الدخل فضل التجول في سور الأزبكية حيث الأسعار أقل بكثير ، واتفق الجميع على أن حفلات توقيع الكتب هي أبرز مفاجآت هذا العام لأنها تجعلهم يلتقون وجها لوجه مع مؤلفي الكتب الصادرة حديثا ، أما الناشرين فقد أجمعوا على زيادة المبيعات هذا العام نظرا لحجم الإقبال الجماهيري ، مقترحين اختيار موعد لمعرض الكتاب لا يتزامن مع امتحانات منتصف العام .

وقد اتفق كل من الناقد د. صلاح فضل والأديب يوسف القعيد ، وهما عضوان في لجنة النشاط الثقافي بالمعرض ، على أن الفعاليات تناسب طبيعة المرحلة الحالية والمثقفين والجمهور المصري .

نبيل فاروق

ولكن على نقيض ذلك فإن الأديب المصري نبيل فاروق يرى أداء المعرض فاترا ، و90% من موضوعاته الثقافية والمشاركين فيها يعتمد على المجاملات ولا تحقق إفادة حقيقية للجمهور ولذلك فهو لا يقبل على حضورها ، وأكد أن الهيئة حكومية ولن تتمكن من إدارة نشاط ثقافي حر وبالتالي كان يمكن توكيل إدارة الفعاليات الثقافية لجهات خاصة وليست حكومية ، مؤكدا أن البرنامج الثقافي بهذا الشكل يرضي الدولة ولا يرضي القاريء أو المثقف .

ويتفق معه الناقد الأدبي د. يسري عبدالله ، مؤكدا أن المعرض تحول لأداة للثقافة الرسمية بدلا من أن تتجاور داخله تنويعات المشهد الثقافي ، ورابطا حاله بحال الثقافة المصرية عموما ، كما انتقد اختيار محاور المعرض التي اعتبرها غير موضوعية ومنها محاور ، برأيه ، كانت تثير السخرية وتكشف الحال البائس للمعرض والمخططين له مثل " الوباء في الأدب " ؛ إذ أنه ليس مبحثا جماهيريا ولا هاما في الوقت الراهن .

أما د. حسام عقل مدرس النقد الأدبي بجامعة عين شمس فيرى أن المعرض نجح من الوجهة الكمية ؛ فقد شارك به ما يقرب من 800 دار نشر فضلا عن حجم المشاركات العربية والدولية ، ولكن ما يلاحظ عليه شحوب النشاط الفكري والنقدي المصاحب ، واهتمام القائمين على إعداد البرنامج الثقافي بمراكز القوى التقليدية والأسماء الكبيرة القريبة من مؤسسات السلطة ، غاضين الطرف عن الأسماء الجديدة التي فرضت نفسها في واقع الحياة الثقافية وخاصة من جيل الشباب ، سواء في نشاط الكتابة أو النقد ، وهي لم تستبعد كل الشباب وإنما اكتفت بحضور رمزي لهم .

حسام عقل

كما اعتبر عقل أن معظم المشاركين في الأنشطة الثقافية لا يمثلون بصدق الخريطة السياسية ولا الأدبية أو الثقافية إجمالا ، فقد كانت الأسماء مكررة إلى حد كبير وكذلك المحاور العامة للبرنامج الثقافي .

وانتقد استبعاد أسماء لها حضورها العربي ثقافيا ومنهم الحاصلين على جائزة ساويرس أو جوائز اتحاد الكتاب ، بما اعتبره دليلا على اهتزاز ميزان العدالة لدى الهيئة ، مؤكدا الحاجة لدفع الشباب في صفوف القائمين على اختيار البرامج الثقافية لضمان الحيوية وعودة الروح للمعرض من جديد .

أما الكاتب أحمد الخميسي فاوضح أن المعرض أصبح كمخزن ضخم للكتب وأنه لم يعد احتفالية ثقافية وفكرية ، مطالبا بدعوة كل أشهر رموز التيارات الفكرية للنقاش حول اهم القضايا لكسر حالة الجمود الحالية .

من جانبه اعتبر نقيب الصحفيين السابق الكاتب جلال عامر أن زيادة جرعة الانتقاد تعوق المعرض وتعوق محاولات الاستنارة التي يسعى القائمون عليه لإحيائها في المجتمع ، واقترح الاهتمام بالكتابة الساخرة في أنشطة المعرض الثقافية المقبلة باعتبار أنها الأكثر جذبا لمعظم شرائح القراء .

ويتفق مع هذا الرأي د. مصطفى عبدالغني الكاتب الصحفي والمهتم بالشأن الثقافي ، والذي أشاد بالبرنامج الثقافي وباقبال الجمهور على المعرض بما يعني أن الثقافة الورقية المتمثلة أساسا في الكتاب مازالت بخير ، بعكس الشائعات التي تروج من ان الإنترنت والثقافة الرقمية عموما قد طغت ولم يعد هناك مكانا للكتاب في البيت المصري لأن الأجيال الجديدة تتجه للثقافة الرقمية ، وخاصة أن الشباب كانوا أغلب رواد المعرض.

حلمي النمنم

تفنيد الاتهامات

ورداً على الانتقادات السابقة ، قال حلمي النمنم نائب رئيس هيئة الكتاب لـ " محيط " : الموضوعات السياسية الشائكة لا يمكن مناقشتها في المعرض وخاصة المحلية منها مثل قضية التوريث ؛ لأن المعرض ثقافي بالدرجة الأولى والقضايا السياسية المباشرة ليست من اولوياته .

أما عن استبعاد نجوم الثقافة ممن لا يتبعون للسلطة بالولاء ، فرأى أنه اتهام غير مبرر ؛ حيث ضم محور " الشهادات " ندوة للأديب المصري حاصل جائزة مبارك لهذا العام بهاء طاهر وهو عضو رسمي بحركة كفاية المعارضة ، وكان من بين المشاركين في الندوات الثقافية حسين عبدالرازق أمين عام حزب التجمع ، ود. محمد سليم العوا أمين عام اتحاد العلماء المسلمين والمعروف بآرائه الجريئة تجاه السلطة .

واكد النمنم أن المعرض يترك لضيوفه من المثقفين مخاطبة الجمهور بحرية تامة عن أية موضوعات ، وأنه لم توجد نية لاستبعاد أسماء بعينها أو تيارات أدبية أو فكرية ، ولكن إدارة الهيئة من جانب آخر ترفض فكرة فرض أسماء بعينها على النشاط الثقافي .

ونفى أن تكون هناك ضغوطا حكومية وخاصة من وزارة الثقافة تمارس بحق الهيئة رغم أنها تتبع لها ، وقال أن معرض القاهرة الدولي للكتاب لابد من احترام طبيعته ، وحينما كان د. سمير سرحان مديرا للمعرض ويستضيف نجوم السياسة ويناقش القضايا السياسية الساخنة ، تحول معرض القاهرة لأسوأ ما يكون شكلا وموضوعا .

وتحول كما لو كان حزبا سياسيا وليس معرضا ثقافيا ، وانتشرت سرقات الناشرين للمؤلفين ، ولم يكن أحد يولي هذه المسائل عنايته لكثرة المشكلات الأمنية وخروج مظاهرات وغير ذلك ، وأحيانا كان المنتدون في ندوة ثقافية يتشاجرون ، أو تجد أن الباعة الجائلين يتحركون في المعرض لعرض سلعهم بحرية .

وقال أنه زار معارض عربية كثيرة وكان يحزن لأن معرض القاهرة هو الأسوأ والأقل نظاما ونظافة ، ومن هنا يرى أن الأحزاب السياسية تحاول تحميل المعرض مسئولية فشلها .

جانب من النشاط الثقافي بالمعرض

وتساءل حلمي النمنم : لماذا ينشغل جمهور المعرض والناشرون بقضية مثل ترشيح البرادعي للرئاسة أو علاقة الإخوان المسلمين بالسلطة أو نشاط أحمد عز في الحزب الوطني ، كلها قضايا بالتأكيد شديدة الخطورة ولكن مكان مناقشتها ليس معرض الكتاب وإنما الأحزاب والتجمعات الصحفية المختلفة.

و لفت إلى أن القائمين على الأنشطة الثقافية إذا اختاروا مناقشة هذه الموضوعات فلابد أن تشارك بها جميع الأطراف المعارضة والسلطة وغيرها ، وهي فكرة تنتج عنها مشكلات تعوق نجاح المعرض ، وفي حالة نجاح إدارة المعرض في إعادته لمكانته الدولية كمعرض للكتاب ، يمكن أن تبدأ في التفكير في استضافة الأنشطة الثقافية والسياسية الساخنة من هذا النوع.

موضحا أن المعرض لا يمكنه مناقشة القضايا المحلية وخاصة السياسية لأنه ذو طابع دولي بالأساس ويفترض فيه عدم التركيز على مصر وحدها .

كما أشار إلى أن أي قامة سياسية أو ثقافية يمكن بسهولة استضافتها في المعرض ، مثل الكاتب محمد حسنين هيكل أو د. محمد البرادعي ولكن نظرا للتكدس الجماهيري الكبير قد يحدث ما لا يحمد عقباه دائما , واعتبر أن برنامج المعرض تناول محاور هامة وهي " الأزمة المالية العالمية " و" أنفلونزا الخنازير " و " الرواية العربية " وتم استضافة كافة التيارات لمناقشة هذه المحاور من ليبراليين وإسلاميين وحتى شيوعيين ، ولكنه رفض ما اعتبره فرض جهات بعينها أجندتها على المعرض .

وفي سؤال حول اقتصار إصدارات هيئة الكتاب علي مخاطبة النخب المثقفة وحدها ، نفى ذلك تماما ، موضحا أن 43% من إصدارات الهيئة أدبية ، ما بين القصة والشعر والرواية وكتابة الطفل ، ويكتبها شباب ، وكذلك من كتب الروائع مثل الأعمال الكاملة لدستوفسكي التي صدرت هذا العام وكانت مطلوبة للغاية من جمهور المعرض ، ويضاف لها نسبة كبيرة للكتب الدينية وكتب التراث ، معتبرا أن الهيئة العامة للكتاب خصصت نسبة لعموم القراء لم تخصصها أي دار نشر اخرى .

وردا على تساؤل آخر حول غياب مشاهير الكتاب عن إصدارات الهيئة ، قال النمنم : هناك كاتب وغير كاتب ، لا يوجد كاتب صغير وآخر كبير ، اما الشهرة فتصنعها وسائل الإعلام وليس مهمتنا السعي وراء المشاهير ، لأن معظم المشهورين حاليا يعتمدون على وسائل الترويج المختلفة والكتابات المثيرة في الجنس والسياسة والدين لاجتذاب الجماهير .