عدد مزدوج
مجلة 'سيميائيات' تعبّر عن تمسّكها بالتلاحم بين الأخلاق والفكر، بين الولاء والتفاعل، بين الإنصات إلى الرواد والتساؤل.
بقلم: حمودان عبدالواحد
في تكريم فريد من نوعه لذكرى الكاتب المصري أنور لوقا شارك فيه أكثر من عشرين باحثا وناقدا وأديبا وبلاغيا ولسانيا ومؤرخا ينتمون لبلدان وثقافات مختلفة، واعترافا منها بالدور الفكري الرائد الذي لعبه هذا الأديب والعالم في التقريب بين شعوب العالم وبين شعوب ضفتي المتوسط بوجه خاص، تخصص له "سيميائيات" – المجلة المتوسطيّة للاشكال الحضاريّة - من تطوان بالمغرب، عددها المزدوج الخامس والسادس الذي أشرف على إعداده ونشره تلميذه وزميله الدكتور نزار التجديتي بالتعاون مع عائلة الفقيد في سويسرا. عدد جديد تؤكد مجلة "سيميائيات" من خلاله على شق طريقها نحو النمو والإمتداد طامحة أن تكون منبرا للكلمة الناضجة والفكرة الحرّة والولاء لرواد المشاريع الإنسانية وأصحاب الإبداعات التأسيسيّة. وكما جاء في افتتاحية هذا العدد الذي ضم (360 صفحة) فإن الكاتب المصري الكبير أنور لوقا (1927 ـ 2003) ترك وراءه، بعد رحيله "حصيلة جمة من الآثار الأدبية والعلمية". واعتمدت المجلة طريقا بدا لها أنّه أفيد للقارىء. انطلقت أولا من خصال أنور لوقا الحميدة لأنه لا علم بلا أخلاق، ثم عرّجت على حصيلة أعماله الأدبية والفكرية، وربطتها بموضوعات المساهمين تأكيدا، من جهة، على خصوبة الحوار والتفاعل بين سلسلة الأجيال حول مجموعة من القيم والموضوعات وطرق التحليل المتوافقة معها، ومن جهة أخرى، على أهمية استمرارية البحث وحيويته في مجال الآداب والعلوم الإنسانية بين جيل الرواد الذي انتمى إليه العلامة أنور لوقا وجيل الباحثين المعاصرين والتلاميذ ممن شاركوه نفس الاهتمامات والهموم والطموحات والمشاريع. وهكذا جاءت مواد هذا العدد، على الرغم من تنوّع مواضيعها واختلاف طرق التعبير فيها ولغاتها، يجمع بينها همّ واحد وتوجّه واضح تكمن معانيهما ودلالاتهما في العنوان الذي اختير لهذا العدد الفريد من نوعه: موضوعات إنسانيّة وأصداء متوسّطيّة؛ ليلخص المشوار الفكري والفلسفي والأدبي للأستاذ أنور لوقا. وأجاب المدعوّون، أساتذة وباحثين، وكتابا ومؤرخين، ونقادا ولسانيّين وبلاغيين...، إلى المشاركة في هذا المشروع الجماعي بمساهمات التحمت حول تكريم الفقيد بطريقة جعلت منه سيمفونيّة إنسانيّة يتردّد رجع أصدائها المتوسطيّة على مسامع الشمال والجنوب التي نأمل أن تصغي إليه في جلال ووقار! وهذا ما حرصت عليه محتويات هذا التكريم التي جاءت، بعد الافتتاحية والتقديم، موزعة على الشكل التالي بين قسميْها العربي والفرنسي: يتكوّن القسم العربي الذي يقدّم في البداية للقارىء لائحة الأعمال المختارة للدكتور أنور لوقا، من خمس دراسات ممتعة ورفيعة المستوى. • أنور لوقا كما عرفته (منجي الشملي). • الناقد والسمة (محمد أنقار). • أنور لوقا مقارنا أنسيا (عبدالنبي ذاكر). • معنى العودة عند أنور لوقا (عمر مقداد الجمني). • حي بن يقظان بين التخييل والحجاج (محمد العمري). أمّا القسم الفرنسي الذي يأخذ حيزا كبيرا من هذا العدد، فإنه يبدأ بتقديم اللائحة الكاملة لأعمال أنور لوقا. تليها ثلاثة محاور. - المحور الأوّل المخصّص لصورة أنور لوقا وأثره، يتضمن سبع دراسات: • أنور لوقا: زاهد ملاوي (سعد مرقص). • شهادة (جان مارك دروان). • أنور لوقا روائيا (شارل فيال). • مستعربو ومحبو العرب بجنيف: مهمة أنور لوقا (جاندانيال قاندو). • أنور لوقا ورفاعة الطهطاوي (فوزية أسعد). • مصر الأخرى، من بونابرت إلى طه حسين. الرؤية المثاقفة لأنور لوقا (عادل يوسف سيداروس). • أنور لوقا سيميائيا (نزار التجديتي). - المحور الثاني المعنون بـ "تنويعات حول موضوعات إنسانية" يتكوّن من ثلاث مقالات: • أنتم يا مثل من يمشي بعيدًا عارج أتراحًا وأفراحا.. فرلين (1875). تعليق وترجمة (عبد القادر المهيري وآندري رومان). • "أدب" في لسان العرب لابن منظور: قيد مضاعف، إكراه مضاعف؟ (الأخضر السوامي). • الجاحظ: من الفكرالعقلاني إلى الفكرالكوني (عبد الواحد حمودان). - المحور الثالث يحمل عنوان "عودة إلى أصداء متوسطية"، ويحتوي على خمس محاولات: • دونان والحرب (سارجا موسى). • الترجمان جاد، أحد قدماء البعثة الدراسية المصرية لمحمد علي (ميشيل دوفاشطير). • أحمد زكي والمستعربون الإسبان (مانويلا مارين). • رحالة مغربي بفرنسا في منتصف القرن التاسع عشر: من تجربة المغايرة إلى الخطاب الإصلاحي (بوسيف الواسطي). • الهوية والاختلاف في شاي عند حريم أحمد للمهدي الشارف (وفاء بوعصاب). وهكذا استطاعت مجلة "سيميائيات" أن تسد ثغرة في المكتبة العربية على الخصوص، وأن تعطي للراحل حقه وتعيد له الاعتبار الأخلاقي والإنساني والعلمي اللائق بمكانته في تاريخ الفكر العربي